فصل: سنة عشرين ومائتين وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة عشرين ومائتين وألف:

.شهر المحرم سنة 1220:

فكان ابتداء المحرم يوم الاثنين، ولما نزل الدلاة جهة البساتين وتلك النواحي فأكلوا زروعات الناس ونهبوا دوراً بدير الطين وطلبوا علوفات زائدة رتب لهم الباشا الجرايات والعليق والجامكية وقدرها ستمائة كيس في كل شهر.
وفي ثامنه، سافر أناس كثيرة لزيارة مولد سيدي أحمد البدوي المعتاد وسافر أيضاً الشيخ الشرقاوي، وحضر هناك كاشف الغربية وحصل منه قبائح كثيرة وقبض على خلائق كثيرة وبلصهم وحبسهم وخوزق أناساً كثيرة من غير ذنب ولا يقبل شفاعة أحد في شيء.
وفيه أشيع قدوم محمد علي وحسن باشا إلى مصر، وذلك أنهما لما سمعا بوصول طائفة الدلاة وأن أحمد باشا أرسل إليهم وطلبهم ليتعاضد بهم ويقوي بهم ساعده على الأرنؤدية عزموا على الرجوع إلى مصر ليتلافوا أمرهم قبل استفحال الأمر.
وفي يوم الخميس حادي عشره، طلب الباشا المشايخ وعمر أفندي النقيب والوجا قليلة وأرباب الديوان، فلما اجتمعوا قال لهم أن محمد علي وحسن باشا راجعان من قبلي من غير إذن وطالبان شراً فإما أن يرجعا من حيث أتيا ويقاتلا المماليك وإما أن يذهبا إلى بلادهما أو أعطيهما ولا يات ومناصب في غير أراضي مصر ومعي أمر من السلطان ووكيل مفوض ودستور مكرم أعزل من أشاء وأولي من أشاء، وأعطي من أشاء وأمنع من أشاء، ثم أخرج من جيبه ورقة صغيرة في كيس حرير أخضر وأخبرهم أنها بخط السلطان بما ذكر فأنتم تكونون معي وتقيمون عندي صحبة كبار الوجاقلية فقالوا له أن الشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ المهدي غائبون عن مصر، فقال نرسل لهم بالحضور فكتبوا لهم أوراقاً من الباشا وأرسلوها إليهم مع السعاة يستعجلونهم للحضور، ثم اتفقوا على أن يبيت عنده بالقلعة في كل ليلة اثنان من المتعممين واثنان من الجاقلية وأعدوا لهم مكاناً بالضربخانه وأمر بأن يذهب الدلاة والعسكر الباقية إلى ناحية طرا والجيزة وأخذوا مدافه وجبخانه، ووصل محمد علي وحسن باشا إلى ناحية طرا ومعهم عساكرهم، فلم يجسر الدلاتية على ممانعتهم وكاد لهم محمد علي مكايد منها أنه أرسل إليهم يقول، إنما جئنا في طلب العلائف ولسنا مخالفين ولا معاندين، فقال الدلاتية لبعضهم إذا كان الأمر كذلك فلا وجه للتعرض لهم وأخلوا من طريقهم، ودخل الكثير من طوائف عساكرهم ورجع الدلاتية إلى أماكنهم بدير الطين وقصر العيني والآثار ونزل كتخدا الباشا وعمر بك الأرنؤدي فتكلما مع الدلاتية فقالوا أن القوم لم يكن عندهم خلاف ولا تعدو إذا كنتم تمنعون وتحاربون من يطلب حقه، فكذلك تفعلون معنا إذا خدمناكم زمناً، ثم طلبنا علائفنا فرجع الكتخدا وعمر بك الأرنؤدي وتتابع دخول أولئك في كل يوم طائفة بعد أخرى وسكنوا الدور والبيوت.
وفي يوم الأربعاء، ذهب إليهم سعيد آغا وقابجي باشا الأسودان وسلما على محمد علي وحسن باشا ثم رجعا.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره، دخل محمد علي بعد العصر وهب إلى بيته بالأزبكية ودخل حسن باشا في صبحها ودخلت طوائفهم، وأخذوا الحمير والبغال وجمال السقائين لينقلوا عليها متاعهم ودخلوا البيوت وأزعجوا السكان وأخرجوهم من مساكنهم وفتحوا البيوت المسدودة وكثرت أخلاطهم بالأسواق ومنع الباشا المشايخ والوجاقلية من الذهاب إلى محمد علي والسلام عليه، واستمر الأمر على القلقلة واللقلقة والتوحش وأخذ محمد علي في التدابير على أحمد باشا وخلعه.

.شهر صفر الخير سنة 1220:

استهل بيوم الأربعاء والأمر على ما هو عليه وسعيد آغا ساع ومجتهد في إجراء الصلح ويركب تارة إلى الباشا وتارة إلى محمد علي وإلى حسن باشا ويطلع من المشايخ في كل ليلة اثنان، وكذلك اثنان من الوجاقلية يبيتون بمكان في دار الضرب وينزلون في الصباح، ولم يعقل لذلك معنى، وفي كل وقت يقع التشاحن بين أفراد العسكر في الطرقات ويقتلون بعضهم بعضاً، وحضر سليمان كاشف البواب ومر من خلف الجيزة وذهب إلى جهة وردان وطلب الأموال من البلاد والكلف وعدى خازنداره إلى بر المنوفية ومعه عدة كثيرة من العربان بطلب الأموال من البلاد ومن عصى عليهم من البلاد ضربوهم ونهبوهم وحرقوا أجرانهم وكاشف المنوفية داخل منوف لا يقدر على الخروج إلى خارج، وحضر أيضاً محمد بك الألفي إلى ناحية أبي صير الملق وانتشرت طوائفه وعربانه بإقليم الجيزة ومصر مشحونة بأخلاط العسكر وأجناسهم المختلفة داخل المدينة وخارجها والدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العيني والآثار ودير الطين يأكلون الزروعات ويخطفون ما يجدونه مع الفلاحين والمارين ويأخذونن ما معهم ويخطفون النساء والأولاد بل ويلوطون في الرجال الاختيارية.
وفي أوله، حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالاً إلى جهة الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون من أفعال الدالاتية ويخبرون أن الدالاتية قد أخرجوهم من مساكنهم وأوطانهم قهراً عنهم ولم يتركوهم يأخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضاً عندهم وما خلص منهم إلا من تسلق ونط من الحيطان، وحضروا على هذه الصورة فركب المشايخ إلى الباشا وخاطبوه في أمرهم، فكتب فرماناً خطاباً للدالاتية بالخروج من الدور وتركها إلى أصحابها، فلم يمتثلوا، ولم يسمعوا ذلك وخوطب الباشا ثانياً وأخبروه بعصيانهم، فقال أنهم مقيمون ثلاثة أيام، ثم يسافرون وزاد الضجيج والجمع، فاجتمع المشايخ في صبحها يوم الخميس بالأزهر وتركوا قراءة الدروس، وخرجت سربة من الأولاد الصغار يصرخون بالأسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت، وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر إلى الباشا بذلك فأرسل كتخداه إلى الأزهر، فلم يجد أحداً، وكان المشايخ انتقلوا بعد الظهر إلى بيتهم لأغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم، فلما ير أحداً ذهب إلى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر أفندي وخلافه فكلموه وأوهموه، ثم قام وانصرف وفي حال خروجه رجمه الأولاد بالحجارة وسبوه وشتموه وبقي الأمر على السكوت إلى يوم الجمعة عاشره والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة واللغط والوسوسة دائران وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة، وفي ذلك اليوم نزل أحمد باشا من القلعة ودخل بيت سعيد آغا، وذلك أنه ورد قاصد من إسلامبول وعلى يده تقليد لمحمد علي بولاية جدة فامتنع من طلوع القلعة فوقع الاتفاق على أن الباشا ينزل إلى بيت سعيد آغا ويخلع على محمد علي ناك، فلما حضر الباشا هناك وحضر محمد علي وحسن باشا وأخوه عابدي بك وتقلد محمد علي باشا ولاية جدة ولبس فروة وقاووقاً وخرج يريد الركوب، ثارت عليه العسكر وطلبوا منه العلوفة، فقال لهم هاهو الباشا عندكم وركب هو وذهب إلى داره بالأزبكية وصار يفرق وينثر الذهب بطول الطريق، ثم أن العسكر ساروا إلى أحمد باشا ومنعوه من الركوب، فلم يزل إلى بعد الغروب فلاطفهم حسن باشا ووعدهم، ثم ذهب مع حسن باشا إلى داره وأشيع في المدينة حبسه وفرح الناس وباتوا مسرورين، فلما طلع النهار يوم السبت تبين أنه طلع ثانياً إلى القلعة في آخر الليل وطلع صحبته عابدي آغا بك فاغتم الناس ثانياً.
وفي ذلك اليوم، طلب الباشا من ابن المحروقي وجرجس الجوهري ألفي كيس، وأشيع أنه عازم على عمل فردة على أهل البلد وطلب أجرة الأملاك بموجب قوائم الفرنساوية.
وفيه ركب الدلاة وذهبوا إلى قليوب ودخلوها واستولوا عليها وعلى دورها وربطوا خيولهم على أجرانها، وطلبوا من أهلها النفقات والكلف وعملوا على الدور دراهم يطلبونها منهم في كل يوم وقرروا على دار شيخ البلد الشواربي كل يوم مائة قرش وحبسوا حريمهم عن الخروج، وكان الشواربي بمصر فوصل إليه الخبر بذلك واستمروا على ذلك حتى أخذوا النساء والبنات والأولاد وصاروا يبيعونهم فيما بينهم، وبعد أيام أرسل إليهم محمد علي وقرر لهم الكلف على البلاد فصاروا يقبضونها ومن عصى عليهم ضربوه ونهبوه وأرسلوا إلى بلدة يقال لها أبو الغيط فامتنعت عليهم وخرج أهلها ودفنوا متاعهم بالجزيرة المقابلة للقرية، فركبوا عليهم وحاربوهم فقتل من الفلاحين زيادة عن مائة شخص ودلهم بعض الناس من الفلاحين على خباياهم بالجزيرة فذهبوا إليها واستخرجوها، وكانت أشياء كثيرة والأمر لله وحده لا شريك له والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة، وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة، فحضر الآغا إلى نواحي الأزهر ونادى بالأمان وفتح الدكاكين في العصر، فقال الناس وأي شيء حصل من الأمان وهو يريد سلب الفقراء ويأخذ أجر مساكنهم ويعمل عليهم غرامات وباتوا في هرج ومرج، فلما أصبح يوم الأحد ثاني عشره ركب المشايخ إلى بيت القاضي، واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والأطفال حتى امتلأ الحوش والمقعد بالناس وصرخوا بقولهم شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم ومن الأولاد من يقول يا لطيف ومنهم من يقول يا رب يا متجلي أهلك العثملي، ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك وطلبوا من القاضي أن يرسل بإحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع فأرسل إلى سعيد آغا الوكيل وبشير آغا الذي حضر قبل تاريخه وعثمان آغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي، فحضر الجميع واتفقوا على كتابة عرضحال بالمطلوبات ففعلوا ذلك، وذكروا فيه تعدي طوائف العسكر والإيذاء منهم للناس وإخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميري المعجل وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوى الكاذبة وغير ذلك، وأخذوه معهم ووعدوه برد الجواب، في ثاني يوم وفي تلك الليلة أرسل الباشا مراسلة إلى القاضي يرفق فيها الجواب ويظهر الامتثال ويطلب حضوره إليه من الغد مع العلماء لعمل معهم مشورة، فلما وصلته التذكرة حضر بها إلى السيد عمر أفندي واستشاروا في الذهاب، ثم اتفقوا على عدم التوجه إليه وغلب على ظنهم أنها منه خديعة وفي عزمه شيء آخر لأنه حضر بعد ذلك من أخبرهم أنه كان أعد أشخاصاً لاغتيالهم في الطريق وينسب ذلك الفعل لأوباش العسكر أن لو عوتب بعد ذلك.
فلما أصبحوا يوم الاثنين، اجتمعوا ببيت القاضي وكذلك اجتمع الكثير من العامة فمنعوهم من الدخول إلى بيت القاضي وقفلوا بابيه وحضر إليهم أيضاً سعيد آغا والجماعة، وركب الجميع وذهبوا إلى محمد علي وقالوا له أنا لا نريد هذا الباشا حاكماً علينا ولا بد من عزله من الولاية فقال ومن تريدونه يكون والياً قالوا له لا نرضى إلا بك وتكون والياً علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير فامتنع أولاً، ثم رضي وأحضروا له كركاً وعليه قفطان، وقام إليه السيد عمر والشيخ الشرقاوي فألبساه له وذلك وقت العصر ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة وأرسلوا إلى أحمد باشا الخبر بذلك، فقال إني مولى من طرف السلطان فلا أعزل بأمر الفلاحين ولا أنزل من القلعة إلا بأمر من السلطنة وأصبح الناس وتجمعوا أيضاً فركب المشايخ ومعهم الجم الغفير من العامة وبأيديهم الأسلحة والعصي وذهبوا إلى بركة الأزبكية حتى ملؤها وأرسل الباشا إلى مصر العتيقة فحمل جمالاً من البقسماط والذخيرة والجبخانة وأخذ غلاله من عرصة الرميلة وطلع عمر بك الأرنؤدي الساكن ببولاق عند الباشا بالقلعة، ثم أن محمد علي باشا والمشايخ كتبوا مراسلة إلى عمر بك وصالح آغا قوش المعضدين لأحمد باشا المخلوع يذكرون لهما ما اجتمع عليه رأى الجمهور من عزل الباشا، ولا ينبغي مخالفتهم وعنادهم، لما يترتب على ذلك من الفساد العظيم وخراب الإقليم فأرسلا يقولان في الجواب أرونا سنداً شرعياً في ذلك، فاجتمع المشايخ في يوم الخميس سادس عشره ببيت القاضي ونظموا سؤالاً، وكتب عليه المفتون وأرسلوه إليهم، فلم يتعقلوا ذلك، واستمروا على خلافهم وعنادهم، ونزل كثير من أتباع الباشا بثيابهم إلى المدينة وانحل عنه طائفة الينكجرية، ولم يبق معه إلا طوائف الأرنؤد المغرضون لصالح آغاقوش وعمر آغا.
وفي هذه الأيام، حضر محمد بك الألفي ومن معه من أمرائه وعربانه وانتشروا جهة الجيزة واستقر الألفي بالمنصورية قرب إليهرام وانتشرت أتباعه إلى الجسر الأسود وأرسل مكاتبة إلى السيد عمر أفندي والشيخ الشرقاوي ومحمد علي باشا يطلب له جهة يستقر فيها هو وأتباعه، فكتبوا له بأن يختار له جهة يرتاح فيها ويتأنى حتى تسكن الفتنة القائمة بمصر واستمر أحمد باشا المخلوع ومن معه على الخلاف والعناد وعدم النزول من القلعة ويقول لا أنزل حتى يأتيني أمر من السلطان الذي ولاني وأرسل تذكرة إلى القاضي يذكر فيها أن العسكر الذين عنده بالقلعة لهم جامكية منكسرة في المدة الماضية، وأنهم كانوا محولين على مال الجهات ورفع المظالم سنة تاريخه معجلاً فتقبضونها وترسلونها وتعينوا لنا ولهم خرجاً ومصاريف إلى حين حضور جواب من الدولة وليس في إقامتنا بالقلعة ضرر أو خراب على الرعية فإننا لا نريد إضراراهم فأجابه القاضي بقوله أما ما كان من الجامكية المحولة فإنها لازمة عليكم من إيراد المدة التي قبضتموها في المدة السابقة، ومن قبيل ما ذكرتموه من عدم ضرر الرعية فإن إقامتكم بالقلعة هو عين الضرر، فإنه حضر يوم تاريخه نحو الأربعين ألف نفس بالمحكمة وطالبون نزولكم أو محربتكم فلا يمكننا دفع قيام هذا الجمهور وهذا آخر المراسلات بيننا وبينكم والسلام فأجابوه بمعنى الجواب الأول واجتهد السيد عمر أفندي النقيب وحرض الناس على الاجتماع والاستعداد وركب هو والمشايخ إلى بيت محمد علي باشا ومعهم الكثير من المشايخ والعامة والوجقلية والكل بالأسلحة والعصي والنبابيت ولازموا السهر بالليل في الشوارع والحارات ويسرحون أحزاباً وطوائف ومعهم المشاعل ويطوفون بالجهات والنواحي وجهات السور، ثم اتفقوا على محاصرة القلعة، فأرسل محمد علي باشا عساكره في جهات الرميلة والحطابة والطرق النافذة مثل باب القرافة والحصرية وطريق الصليبية وناحية بيت آقبردى وجلسوا بالمحمودية والسلطان حسن وعملوا متاريس في تلك الجهات، وذلك في تاسع عشره ومنعوا من يطلع ومن ينزل من القلعة وأغلق أهل القلعة الأبواب ووقفوا على الأسوار يبكت بعضهم بعضاً بالكلام ويترامون بالبنادق وصعدوا على منارة السلطان حسن يرمون منها إلى القلعة.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه، ركب السيد عمر أفندي والمشايخ ومعهم جمع كبير من الناس إلى الأزبكية وبعد ركوبهم حضر الجمع الكثير من العامة والعصب وطوائف الأجناد والوجاقلية وعصب النواحي وأهل الحسينية والعطوف والقرافة والرميلة والحطابة والصليبة وجميع الجهات ومعهم الطبول والبيارق حتى غصت بهم الأزقة، فحضروا إلى جهات الجامع الأزهر، ثم رجعوا إلى الأزبكية ولحقوا بالمشايخ وخرج لمشايخ من عند محمد علي باشا وذهبوا إلى حسن بك أخي طاهر باشا، ثم رجعوا واستمر الحال على ذلك إلى ليلة الجمعة، فنزل بين المغرب والعشاء عدة من العسكر كبيرة وفتحوا بابا القلعة بالرميلة وأرادوا الهجوم على المتاريس فتابعوا عليهم بالرمي، فلم يزالوا يترامون إلى بعد العشاء الأخيرة، ثم رجعوا وعندما سمع الناس صوت الرمي ذهبوا أرسالاً إلى جهات المتاريس ثم عادوا بعد رجوع المذكورين إلى القلعة كل ذلك وحسن باشا طاهر ومن معه من الأرنؤد يراعون من بالقلعة من أجناسهم لأن غالبهم منهم، فلما كان يوم الجمعة رابع عشرينه طلع عابدي بك أخو حسن باشا إلى القلعة ونزل عمر بك وأمروا برفع المتاريس وتفرق من بها، وأشيع نزول الباشا من الغدو بات الناس على ذلك ليلة السبت، وهم على ما هم عليه من التجمع والسروح والحيرة.
وفي صبح يوم السبت، مر ثلاثة من العسكر الشجعان بناجية مرجوش فصادفوا غلاماً حمامياً من اللاونجية خرج ليشتري قهوة فأرادوا أخذه ففر منهم فضربوه برصاصة وقتلوه وذلك في صلاة الحنفي فتبعهم الناس فوصلوا إلى النحاسين وعطفوا على خان الخليلي وأرادوا الخلوص إلى جهة المشهد الحسيني فأغلقوا في وجوههم البوابة، فضربوا على المتبعين لهم فقتلوا شخصاً وجرحوا آخر وخرجوا من القبو إلى ناحية الصنادقية وفرغ ما معهم من البارود فطلعوا إلى ربع وكالة الشبراوي، فاجتمع الناس وكسروا باب الربع، فنزلوا يريدون الهروب فقتلهم الناس وذهبت أرواحهم إلى النار.
وفي ذلك اليوم، ركب السيد عمر أفندي في قلة من الناس وذهب إلى بيت حسن بك أخي طاهر باشا، وكان هناك عمر بك الذي نزل من القلعة فوقع بينه وبين السيد عمر مناقشة في الكلام طويلة ومن جملة ما قال كيف تعزلون من ولاه السلطان عليكم، وقد قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فقال له أولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل وهذا رجل ظالم وجرت العادة من قديم الزمان أن أهل البلد يعزلون الولاة وهذا شيء من زمان حتى الخليفة والسلطان إذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه، ثم قال وكيف تحصرونا وتمنعون عنا الماء والأكل وتقاتلونا نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك قال نعم، قد أفتى العلماء والقاضي بجواز قتلكم ومحاربتكم لأنكم عصاة، فقال أن القاضي هذا كافر فقال: إذا كان قاضيكم كافراً فكيف بكم وحاشاه الله من ذلك إنه رجل شرعي لا يميل عن الحق وانفصل المجلس على ذلك وخاطبه الشيخ السادات في مثل ذلك، فلم يتحول عن الخلاف والعناد هذا والأمر مستمر من اجتماع الناس وسهرهم وطوافهم بالليل واتخاذهم الأسلحة والنبابيت حتى أن الفقير من العامة كان يبيع ملبوسه أو يستدين ويشتري به سلاحاً وحضرت عربان كثيرة من نواحي الشرق وغيره.
وفي يوم الاثنين، ركب السيد عمر وصحبته الوجاقلية وأمامه الناس بالأسلحة والعدد والأجناد وأهل خان الخليلي والمغاربة شيء كثير جداً ومعهم بيارق ولهم جلبة وازدحام، بحيث كان أولهم بالموسكي وآخرهم جهة الأزهر وانفصل الأمر على رجوع عمر بك إلى القلعة ونزول عابدي بك بعد أن فضوا أشغالهم وعبوا ذخيرتهم واحتياجهم من الماء والزادة والغنم ليلاً ونهاراً في مدة الثلاثة أيام المذكورة، وقد كانوا أشرفوا على طلب الأمان وتبين أنهم إنما فعلوا ذلك من باب المكر والخديعة، واتفق الحال على إعادة المحاصرة وصعد المغرضون إلى القلعة ونزل أشخاص من المغرضين لأهل البلد إليهم، ورجع السيد عمر إلى منزله وأخذ في أسباب الإحاطة بالقلعة كالأول، وذلك بعد العشاء ليلة الثلاثاء، ووقع إليه تمام في صبحها بذلك وجمعوا الفعلة والعربجية، وشرعوا في طلوع طائفة من العسكر والعرب وغيرهم إلى الجبل وأصعدوا مدافع ورتبوا عدة جمال لنقل الاحتياجات والخبز وروايا الماء تطلع وتنزل في كل يوم مرتين، وطلع إليهم الكثير من باعة الخبز والكعك والقهاوى وغير ذلك.